تُعد الدروس الخصوصية ظاهرة عالمية لجأ إليها الكثير من أولياء الأمور والطلاب بهدف تعزيز التحصيل الدراسي وتحقيق التفوق الأكاديمي. وفي المملكة العربية السعودية، لم تكن هذه الظاهرة بعيدة عن الأنظار، بل انتشرت بشكل واسع خلال السنوات الماضية. ولكن، مع التطورات الكبيرة التي يشهدها القطاع التعليمي ضمن رؤية المملكة 2030، أصبح من الضروري تنظيم كافة الممارسات التعليمية لضمان الجودة والعدالة وحماية جميع الأطراف. لقد تحولت الدروس الخصوصية من ممارسة غير منظمة إلى نشاط له أطر قانونية واضحة، وأصبح الجهل بهذه الأطر يعرض القائمين عليها لمساءلة قانونية وعقوبات صارمة.
إن فهم الإطار القانوني الذي يحكم الدروس الخصوصية لم يعد خيارًا، بل ضرورة ملحة للمعلمين والطلاب وأولياء الأمور على حد سواء. فالإجراءات التي قد تبدو بسيطة، مثل تقديم الدعم التعليمي بمقابل مادي، قد تترتب عليها غرامات مالية، إجراءات تأديبية، وحتى عقوبات تصل إلى الفصل من العمل أو الترحيل للوافدين. في هذا المقال، سنستعرض بشكل مفصل ومُعمّق كل ما يتعلق بموضوع عقوبة الدروس الخصوصية في السعودية، وسنوضح الأبعاد القانونية والشرعية والتنظيمية لهذه الممارسة، وكيف يمكن تجنب الوقوع في المخالفات. ونحن في مكتب فيصل الحارثي للمحاماة ندرك تمامًا دقة هذه الأنظمة وتعقيداتها، ونقدم هذا الدليل الشامل لتسليط الضوء على كافة الجوانب المتعلقة بهذا الموضوع الحيوي.
الدروس الخصوصية في النظام الجديد
مع سعي المملكة لتحقيق نهضة تعليمية شاملة، شهدت الأنظمة المتعلقة بالتعليم تحديثات جذرية، ومن ضمنها تنظيم ممارسة الدروس الخصوصية التي كانت تمارس سابقًا في كثير من الأحيان بعيدًا عن أي إشراف أو تقنين.
-
ركز النظام الجديد على حوكمة قطاع التعليم بشكل كامل، حيث تسعى وزارة التعليم إلى أن تكون كافة الخدمات التعليمية المقدمة للطلاب، سواء داخل المدارس أو خارجها، ذات جودة عالية وتخضع للرقابة لضمان تحقيق الأهداف التربوية.
-
أكدت اللوائح الجديدة، وعلى رأسها لائحة الوظائف التعليمية، على الواجبات الوظيفية للمعلم في القطاع الحكومي، والتي تحظر عليه بشكل صريح استغلال وظيفته لتحقيق مكاسب مادية إضافية عبر تقديم دروس خصوصية لطلابه، لما في ذلك من تعارض واضح في المصالح.
-
بالنسبة للمعلمين في القطاع الخاص، فإن عقود عملهم تخضع لنظام العمل السعودي، وغالبًا ما تتضمن بنودًا تمنعهم من ممارسة أي عمل إضافي قد يؤثر على أدائهم لواجباتهم الأساسية أو ينافس جهة عملهم.
-
أما الوافدون المقيمون في المملكة، فإن عملهم محكوم بنظام الإقامة ونظام العمل، واللذين ينصان على أن الوافد يجب أن يعمل في المهنة المدونة في رخصة عمله ولدى صاحب العمل الذي استقدمه، وأي ممارسة لنشاط آخر مثل الدروس الخصوصية تعد مخالفة صريحة للنظام.
-
لم يغلق النظام الباب تمامًا أمام الدعم التعليمي الإضافي، بل وضع له مسارًا قانونيًا واضحًا يتمثل في مراكز الخدمات التعليمية والتربوية الأهلية المرخصة من قبل وزارة التعليم، والتي تعمل وفق ضوابط محددة تضمن جودة المخرجات التعليمية.
-
تهدف هذه التنظيمات إلى القضاء على السوق السوداء للدروس الخصوصية، وما قد يصاحبها من استغلال مالي للطلاب وأولياء الأمور، وضمان تكافؤ الفرص بين جميع الطلاب، بحيث لا يكون التفوق حكرًا على من يمتلك القدرة المادية للحصول على دعم إضافي غير قانوني.
-
جزء من هذه الرؤية الجديدة هو تشجيع الاعتماد على المصادر التعليمية الرسمية التي توفرها الوزارة، مثل منصة “مدرستي” وقنوات “عين” التعليمية، كبدائل مجانية وعالية الجودة تهدف إلى تقليل الحاجة للدروس الخصوصية.
ما عقوبة الدروس الخصوصية في السعودية؟
إن ممارسة التدريس الخصوصي بشكل يخالف الأنظمة المعمول بها في المملكة يعرض القائم به لمجموعة من العقوبات الرادعة التي تختلف في شدتها بناءً على صفة المخالف وطبيعة المخالفة.
-
المعلمون في القطاع الحكومي: يعتبر هؤلاء الفئة الأكثر تعرضًا للعقوبات الصارمة، حيث تنص لائحة الوظائف التعليمية على إجراءات تأديبية متدرجة تبدأ بالإنذار الخطي، ثم الخصم من الراتب، وقد تصل إلى الحرمان من العلاوة السنوية، وفي حالات المخالفات الجسيمة أو المتكررة، يمكن أن تصل العقوبة إلى الفصل من الخدمة.
-
المعلمون في القطاع الخاص: يخضع هؤلاء لنظام العمل وعقودهم المبرمة مع المؤسسات التعليمية التي يعملون بها، والمخالفة قد تؤدي إلى إنهاء العقد بناءً على بنود العقد التي تمنع العمل لدى الغير، بالإضافة إلى إمكانية عدم تجديد الترخيص المهني.
-
الوافدون المقيمون: تعد عقوبة الدروس الخصوصية في السعودية للوافدين من أشد العقوبات، حيث أن ممارسة هذا النشاط تعتبر عملًا لحسابهم الخاص وهو ما يخالف نظام الإقامة والعمل بشكل صريح. العقوبات تشمل غرامة مالية باهظة قد تصل إلى 50,000 ريال، والسجن لمدة تصل إلى ستة أشهر، والإبعاد عن المملكة والمنع من دخولها مرة أخرى.
-
جهات الاستقدام: لا تقتصر المسؤولية على الوافد المخالف فقط، بل تمتد لتشمل جهة العمل أو الكفيل الذي سمح له بالعمل لدى الغير أو لحسابه الخاص، حيث تفرض عليه غرامات مالية، والحرمان من استقدام العمالة لمدة قد تصل إلى سنتين، بالإضافة إلى تحمل تكاليف ترحيل العامل المخالف.
-
الغرامات المالية: تفرض غرامات مالية كبيرة على كل من يثبت تقديمه لدروس خصوصية بدون ترخيص، وتتفاوت قيمة الغرامة بناءً على تكرار المخالفة والضرر الناتج عنها.
-
المساءلة القضائية: في بعض الحالات، لا تتوقف الإجراءات عند الجانب الإداري أو المالي، بل يمكن إحالة المخالفين إلى الجهات القضائية المختصة، خاصة إذا ارتبطت المخالفة بأنشطة أخرى غير قانونية، وهنا تبرز أهمية الاستعانة بخبرة قانونية من مكتب فيصل الحارثي للمحاماة للدفاع وتوضيح الموقف القانوني.
عقوبة التدريس الخصوصي من المنزل في السعودية
قد يعتقد البعض أن ممارسة التدريس الخصوصي داخل المنازل الخاصة قد يجعله بعيدًا عن أعين الرقابة، إلا أن الأنظمة السعودية واضحة في هذا الشأن وتعتبر هذه الممارسة مخالفة لا تقل خطورة عن غيرها.
-
أكدت الجهات التنظيمية أن مكان تقديم الدرس الخصوصي لا يغير من طبيعته غير القانونية إذا تم بدون ترخيص. سواء تم في منزل المعلم أو منزل الطالب، فإنه يظل نشاطًا تجاريًا غير مرخص.
-
تنطوي ممارسة هذا النشاط من المنزل على مخالفة إضافية، وهي استخدام العقار السكني في أغراض تجارية، وهو ما قد يخالف أنظمة البلديات والتخطيط العمراني.
-
تعتبر وزارة التعليم أن الدروس التي تتم في المنازل تفتقر إلى أي شكل من أشكال الإشراف الأكاديمي والتربوي، مما يعرض الطلاب لمحتوى تعليمي قد يكون غير مناسب أو حتى خاطئًا، ويصعب تتبع جودته.
-
تشدد السلطات على المخاطر الأمنية المرتبطة بدخول أشخاص غير معروفين (المعلمين) إلى منازل الأسر، أو ذهاب الطلاب إلى منازل معلمين لا تخضع لأي نوع من الرقابة أو التحقق من خلفياتهم.
-
تطبق نفس العقوبات النظامية من غرامات مالية وإجراءات تأديبية وفصل أو ترحيل على من يمارس التدريس الخصوصي من المنزل، حيث أن القانون لا يفرق بين الأماكن المختلفة عند تطبيق عقوبة الدروس الخصوصية في السعودية.
طريقة تبليغ عن مدرس خصوصي
في إطار جهودها لإنفاذ الأنظمة ومكافحة الممارسات غير القانونية، وفرت الحكومة السعودية قنوات رسمية وآمنة للمواطنين والمقيمين للإبلاغ عن المخالفات المتعلقة بالدروس الخصوصية.
-
يمكن الإبلاغ عن حالات الدروس الخصوصية غير النظامية من خلال القنوات الرسمية لوزارة التعليم، مثل أرقام التواصل المخصصة أو البوابات الإلكترونية.
-
يعد تطبيق “كلنا أمن” قناة فعالة للإبلاغ عن أي أنشطة مشبوهة، بما في ذلك الوافدين الذين يعملون لحسابهم الخاص في مجال التدريس الخصوصي، حيث يتم التعامل مع البلاغ من قبل الجهات الأمنية المختصة.
-
عند تقديم البلاغ، من المهم توفير معلومات دقيقة قدر الإمكان، مثل اسم المعلم، ومكان تقديم الدروس، والمواد التي يدرسها، وأي دليل آخر قد يساعد في إثبات المخالفة.
-
تتعامل الجهات المعنية مع البلاغات بسرية تامة لضمان حماية هوية المُبلّغ وعدم تعرضه لأي مساءلة أو مضايقات.
-
إن عملية الإبلاغ تعتبر جزءًا من المسؤولية المجتمعية التي تساهم في الحفاظ على سلامة وجودة النظام التعليمي وحماية المجتمع من الممارسات المخالفة التي قد تضر بالطلاب والعملية التربوية برمتها.
ما حكم الشرع في الدروس الخصوصية؟
يضيف الجانب الشرعي بعدًا مهمًا للنقاش الدائر حول الدروس الخصوصية، حيث يتساءل الكثيرون عن مدى جوازها من منظور إسلامي، خاصة في مجتمع يستند إلى الشريعة الإسلامية في كافة شؤونه.
-
الأصل في التعليم ونشر العلم أنه عمل فاضل ومباح، ويجوز أخذ الأجر عليه طالما أنه يتم في إطار منضبط لا يخالف الشرع أو النظام العام.
-
تكمن الإشكالية الشرعية الرئيسية في حالة المعلم الذي يتقاضى راتبًا من الدولة أو من مدرسة خاصة لتعليم طلاب معينين، ثم يقوم بتقاضي أجر إضافي من نفس هؤلاء الطلاب مقابل دروس خصوصية. يرى كثير من العلماء أن هذا الأمر يدخل في باب تعارض المصالح وخيانة الأمانة.
-
يُخشى أن يقوم المعلم بالتقصير عمدًا في أداء واجبه الأساسي في الفصل الدراسي، بهدف دفع الطلاب وأوليائهم إلى اللجوء إليه للحصول على دروس خصوصية، وهذا يعتبر من أكل أموال الناس بالباطل وهو محرم شرعًا.
-
من المبادئ الشرعية الراسخة وجوب “طاعة ولي الأمر في غير معصية”، وحيث أن الدولة (ولي الأمر) قد أصدرت أنظمة وقوانين تمنع وتنظم هذه الممارسة تحقيقًا للمصلحة العامة، فإن الالتزام بهذه الأنظمة يصبح واجبًا شرعيًا.
-
تكون الدروس جائزة شرعًا إذا انتفت المحاذير السابقة، كأن يقوم شخص متخصص في مجال ما (وليس معلمًا للطلاب أنفسهم في المدرسة) بتقديم دروس تقوية لمن يحتاجها دون أن يكون في ذلك أي إخلال بواجب وظيفي أو مخالفة لنظام الدولة.
قرار منع التدريس الخصوصي
لم تترك الجهات التنظيمية في المملكة موضوع الدروس الخصوصية للممارسات العشوائية، بل أصدرت قرارات وتعاميم واضحة تمنع مزاولتها خارج الإطار القانوني المحدد.
-
أصدرت وزارة التعليم تعاميم متعددة ومشددة موجهة لكافة إدارات التعليم والمدارس الحكومية والأهلية، تؤكد فيها على منع المعلمين والمعلمات من تقديم الدروس الخصوصية بمقابل مادي.
-
تستند هذه القرارات إلى نصوص واضحة في لائحة الوظائف التعليمية التي تعتبر مثل هذه الممارسات إخلالًا بواجبات الوظيفة العامة.
-
تأتي هذه القرارات في سياق أوسع يهدف إلى تعزيز دور المدرسة كمؤسسة تعليمية أساسية ورئيسية، وتقليل الاعتماد على الحلول التعليمية الموازية وغير المراقبة.
-
تهدف قرارات المنع إلى تحقيق العدالة التعليمية وتكافؤ الفرص، بحيث لا يصبح الحصول على تعليم جيد مرتبطًا بالقدرة المالية للأسرة على دفع تكاليف الدروس الخصوصية.
-
تشمل هذه القرارات أيضًا التنسيق مع الجهات الحكومية الأخرى كوزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية والمديرية العامة للجوازات لضمان تطبيق العقوبات على الوافدين المخالفين الذين يمارسون التدريس كعمل خاص.
مكافأة التبليغ عن الدروس الخصوصية
كأداة لتعزيز الرقابة المجتمعية وتشجيع أفراد المجتمع على المساهمة في إنفاذ الأنظمة، طرحت فكرة تخصيص مكافآت مالية لمن يبلغون عن ممارسات الدروس الخصوصية غير القانونية.
-
أشارت بعض المصادر إلى أن الحكومة السعودية تدرس أو قد أطلقت بالفعل نظامًا يمنح مكافآت مالية للمواطنين والمقيمين الذين يقدمون معلومات تؤدي إلى ضبط معلمين أو جهات تقدم دروسًا خصوصية بشكل غير نظامي.
-
تهدف هذه الخطوة، إن تم تطبيقها بشكل كامل، إلى زيادة فعالية الرقابة من خلال تحويل كل فرد في المجتمع إلى مشارك فعال في رصد المخالفات.
-
تعتبر المكافأة حافزًا قويًا يشجع الأفراد على الإبلاغ عن التجاوزات التي قد يترددون في الإبلاغ عنها في الحالات العادية.
-
تساهم هذه الآلية في خلق بيئة طاردة للمخالفات، حيث يدرك من يفكر في ممارسة التدريس الخصوصي بشكل غير قانوني أن احتمالية كشفه أصبحت أعلى بكثير.
-
يساعد هذا النظام في توجيه أولياء الأمور والطلاب نحو البدائل القانونية والرسمية التي وفرتها الدولة، مثل مراكز الخدمات التعليمية المرخصة والمنصات الرقمية الحكومية، بدلاً من اللجوء إلى السوق السوداء للتعليم.
هل الدروس الخصوصية قانونية في السعودية؟
بعد استعراض كافة الجوانب التنظيمية والعقوبات المرتبطة، يمكن الإجابة على هذا السؤال المحوري بشكل واضح وحاسم لقطع أي شك أو تردد لدى القارئ.
-
الدروس الخصوصية التي يقدمها معلمو المدارس الحكومية أو الأهلية لطلابهم أو لغيرهم بمقابل مادي وبدون ترخيص هي غير قانونية وتترتب عليها عقوبات نظامية.
-
الدروس الخصوصية التي يقدمها الوافدون الذين لا تحمل رخص عملهم مهنة “معلم” أو الذين يعملون لحسابهم الخاص هي غير قانونية وتعتبر مخالفة صريحة لنظام العمل والإقامة.
-
ممارسة نشاط التدريس الخصوصي من المنازل أو أي مكان آخر دون الحصول على ترخيص من وزارة التعليم لإنشاء مركز خدمات تعليمية هو غير قانوني.
-
البديل القانوني الوحيد هو الحصول على الدعم التعليمي من خلال مراكز الخدمات التربوية والتعليمية الأهلية المرخصة من وزارة التعليم، أو عبر المبادرات التي تنظمها بعض إدارات التعليم والتي تسمح للمعلمين بتقديم دروس تقوية مسائية وفق ضوابط وأسعار محددة وتحت إشراف رسمي.
-
الخلاصة هي أن أي شكل من أشكال الدروس الخصوصية الفردية التي تتم خارج إطار مؤسسي مرخص من وزارة التعليم يعتبر ممارسة مخالفة للنظام، مما يؤكد أن عقوبة الدروس الخصوصية في السعودية هي حقيقة واقعة وليست مجرد تحذيرات نظرية.
إن تعقيدات الأنظمة المتعلقة بالدروس الخصوصية وما يترتب عليها من عقوبات تتطلب وعيًا قانونيًا دقيقًا. سواء كنت معلمًا تواجه تحقيقًا إداريًا، أو وافدًا متهمًا بمخالفة نظام العمل، أو حتى ولي أمر يسعى لفهم حقوقه وواجباته، فإن الحصول على استشارة قانونية متخصصة ليس رفاهية بل ضرورة.
في مكتب فيصل الحارثي للمحاماة، نقدم لكم الدعم القانوني الكامل ونساعدكم على فهم موقفكم بدقة وشفافية. فريقنا من المحامين المتمرسين على أتم الاستعداد لتقديم المشورة والدفاع عن حقوقكم أمام الجهات المختصة. لا تترددوا في مواجهة التحديات القانونية بمفردكم.
للتواصل المباشر والحصول على استشارة قانونية، اتصلوا بنا الآن على:
+966 54 124 4411